كتب ديفيد هيرست أن نحو 18 عامًا مرت منذ أن قدم توني بلير، المبعوث السابق للشرق الأوسط، خطة من 34 صفحة اقترحت "ممرًا للسلام والازدهار" يمتد من البحر الأحمر إلى هضبة الجولان المحتلة. وذكر الكاتب أن الخطة تضمنت إنشاء حديقة صناعية قرب أريحا لتسهيل نقل البضائع إلى الخليج عبر الأردن، إضافة إلى مشروع صناعي في تارقمية بالخليل وآخر في جلمة شمال جنين.
أشار ميدل إيست آي إلى أن هذه المشاريع لم تكن جديدة، إذ نصت اتفاقيات أوسلو على إنشاء تسع مناطق صناعية على طول الخط الأخضر من جنين شمالًا إلى رفح جنوبًا. لكن بلير، بدعم السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ويو أس إيد واليابان، أعلن أنه إذا نجح هذا "الحزمة الاقتصادية"، فسيتبعها حزم أخرى تدريجيًا، ما يخفف من وطأة الاحتلال دون المساس بأمن إسرائيل، واصفًا هذه الخطوة بأنها ستسهّل المفاوضات بين الطرفين لتحقيق سلام مستدام بين دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب.
اليوم، لم يتبق الكثير من الحديقة الصناعية عند معبر جلمة مع إسرائيل، وبقي الموقع لسنوات فارغًا، حتى حاولت السلطة الفلسطينية، بدعم مستثمرين أتراك، إقامة "مدينة صناعية" في جنين، ولم يتجاوز ما تحقق بعض الطرق ومستودعات متناثرة. وأوضح الكاتب أن عدد الحواجز العسكرية في الضفة الغربية ارتفع من نحو 600 إلى 898 حاجزًا، مما شل الحياة الاقتصادية، بينما تتجول الميليشيات الاستيطانية مروّعةً الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضٍ واسعة.
اعتبر هيرست أن هذا كله تمهيد لإعلان محتمل عن ضم إسرائيل للمنطقة "ج" التي تشكل نحو ثلثي الضفة الغربية. وأوضح أن أكثر من 40 ألف فلسطيني فقدوا منازلهم نتيجة هدم مخيمات اللاجئين في جنين وقلقيلية وطلوع الشام ضمن عملية "الجدار الحديدي"، والتي دخلت شهرها الثامن.
وأضاف الكاتب أن بلير، بعد 23 شهرًا من الإبادة والدمار في غزة، عاد ليقدّم نفسه كخبير في الشرق الأوسط، متورطًا في تقديم خطط إعادة إعمار غزة، بالتنسيق مع إدارة ترامب ومستشاريه، بما في ذلك صهر الرئيس جاريد كوشنر. تضمنت إحدى الخطط، وفق هيرست، مشروعًا لإقامة "منتجع على طراز دبي" على قبور الفلسطينيين، مع استبعاد غالبية السكان، واعتماد مبالغ مالية لتشجيع الفلسطينيين على مغادرة القطاع، ما يعكس تجاهلًا شبه مطلق لمعاناة الأحياء والأموات.
حدد الكاتب أن القائمين على هذه الخطة إسرائيليون، بقيادة مايكل آيزنبرج وليران تانسمان، اللذين شاركا في تأسيس مؤسسة غزة الإنسانية أواخر 2023 بعد هجمات حماس على إسرائيل. وأشار إلى أن أي خطة تستثني حماس، مثلما استثنيت المقاومة الفلسطينية في السابق، محكوم عليها بالفشل، إذ لا يمكن إقامة حكومة بعد الحرب في غزة دون موافقة حماس، سواء صريحة أو ضمنية، وهو ما أكده 23 شهرًا من المقاومة الفلسطينية المستمرة.
وذكر هيرست أن السلام في أيرلندا الشمالية تحقق بمشاركة مباشرة مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، بعد مفاوضات سرية شملت إطلاق سراح سجناء ومشاركة سياسية ضمن اتفاقية الجمعة العظيمة، بينما تُطبق السياسة المعاكسة في غزة حيث يُنظر إلى كل ما يتعلق بفلسطين من منظور دعم إسرائيل وتقوية دولتهم التوسعية.
وحذر الكاتب من أن أي مشاريع ضخمة للطرق والمدن الشاهقة والمطارات في غزة، مهما كانت الأسماء البراقة، تتجاهل تمامًا ذكرى أكثر من 63 ألف قتيل و160 ألف جريح نتيجة ما وصفه بالابادة الإسرائيلية. وأكد أن أي "منتجع غزة" لن يعترف بالكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ولا بمسؤولية إسرائيل عن هذه المجازر، ما يجعل كل هذه الخطط مرفوضة أخلاقيًا وعملية، ومحكوم عليها بالفشل مثل المشاريع السابقة.
ختامًا، يرى هيرست أن بلير بات جزءًا من شبكة الثروات والسلطات التي تحاول فرض حلول على الفلسطينيين رغما عنهم، بينما الواقع على الأرض يفرض الاعتراف بحقيقة أن أي تسوية مستدامة لغزة لا يمكن أن تُنجز دون شريك المقاومة الحقيقي، أي حماس.
https://www.middleeasteye.net/opinion/trump-blair-chilling-plan-gaza-no-room-palestinian-holocaust